الوعي بالإعاقة.. من الدينامية التواصلية إلى الرهان الحقوقي والإدماج الاجتماعي

الوعي بالإعاقة.. من الدينامية التواصلية إلى الرهان الحقوقي والإدماج الاجتماعي

تحتل قضايا الإعاقة مكانة متقدمة ضمن رهانات التنمية البشرية والإدماج الاجتماعي في المجتمعات المعاصرة،حيث لم يعد التعامل مع الأشخاص في وضعية إعاقة رهينا فقط بالمقاربات الطبية أو الإحسانية، بل أصبح مطلبا حقوقيا واستراتيجيا لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة. وفي هذا السياق، أطلقت وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، حملة وطنية تحسيسية تحت شعار: “إذكاء الوعي بالإعاقة”، في خطوة تروم تغيير النظرة المجتمعية تجاه هذه الفئة، وتعزيز تموقعها كمكون أساسي داخل النسيج الوطني.

ورغم أهمية هذه المبادرة، فإن المتتبع للشأن الاجتماعي لا يسعه إلا أن يسجل تأخر انطلاق هذه الحملة لسنوات، وهو تأخر لم يكن محايدا، بل ساهم في ترسيخ صور نمطية سلبية، وإبقاء واقع الأشخاص في وضعية إعاقة رهينا بالتهميش والتجزيء في التعاطي مع قضاياهم. لقد كان من المفترض أن تنطلق مثل هذه الديناميات التواصلية منذ زمن بعيد، تزامنا مع المصادقة على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، أو مع إعلان السياسة العمومية المندمجة للنهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة سنة 2015، حتى يتسنى لجميع المؤسسات العمومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، الانخراط الفعلي في مسار مجتمعي دامج يؤمن بالتعدد، ويراكم الوعي بثقافة الاختلاف.

أبعاد الحملة وأهميتها

الحملة التحسيسية الجديدة لا تندرج فقط في إطار تفعيل الالتزامات الوطنية والدولية، بل تعتبر محاولة لإعادة بناء الوعي الجماعي انطلاقا من مقاربة تواصلية تسعى إلى تفكيك الصور النمطية السائدة حول الإعاقة، واستبدالها بخطاب الحقوق والكرامة والمواطنة الكاملة. فالأشخاص في وضعية إعاقة ليسوا عبئا على الدولة أو المجتمع، بل هم فاعلون محتملون إذا ما توفرت الشروط الموضوعية للاندماج: بنية تحتية ملائمة، نظام تعليمي دامج، سوق شغل منفتح، وإعلام منصف.

الإعاقة والتمثلات الاجتماعية

من المؤكد أن التحدي الأكبر لا يكمن في ضعف الموارد أو القوانين، بل في التمثلات المجتمعية التي تنتج صورا ذهنية دونية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وتحولهم إلى موضوع للشفقة بدل اعتبارهم فاعلين اجتماعيين واقتصاديين.

إن هذه الحملة، إذا أحسن استثمارها، يمكن أن تسهم في خلخلة هذه التمثلات عبر حملات إعلامية ذكية، ومقاربات بيداغوجية في المدرسة، وتكوين مستمر لمهنيي الصحة والتعليم والإدارة.

توصيات ومقترحات عملية

  • تقنين الحملات التواصلية المتعلقة بالإعاقة، ضمن التزامات دورية للوزارات والمؤسسات العمومية؛
  • مأسسة التربية الدامجة داخل المنظومة التعليمية، من خلال تخصيص مناهج وبرامج تكوينية للأساتذة؛
  • تفعيل مقتضيات قانون 97.13 وتجويد آليات المراقبة الزجرية لكل أشكال التمييز ضد الأشخاص في وضعية إعاقة؛
  • إحداث مرصد وطني للإعاقة يعنى برصد التمثلات الاجتماعية، وتحليل التغطية الإعلامية، واقتراح تدخلات؛
  • تشجيع الجماعات الترابية على تبني منظور دامج للإعاقة في كل مراحل التخطيط والبرمجة الترابية، وربط التمويل بإدماج مشاريع دامجة.

إن الحملة الوطنية لإذكاء الوعي بالإعاقة يجب ألا تختزل في لحظة إعلامية عابرة، بل ينبغي أن تكون مدخلا لسياسات عمومية دامجة، تؤسس لمجتمع منفتح على كل فئاته. لذلك آن الأوان لأن نتجاوز منطق الإحسان إلى منطق الحقوق، ومن منطق التمييز إلى منطق المواطنة الكاملة، عبر قوانين واضحة، وإرادة سياسية قوية، ومجتمع مدني يقظ. فالرقي بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة هو رقي بمستوى العدالة الاجتماعية في بلادنا.

المصدر: الأسبوع الصحفي

Share this content:

حساب آلي لتتبع المنشورات ذات قيمة حول موضوع الإعاقة على شبكة المعلومات العالمية و تجميعها وإعادة ترتيبها وبثها عبر المدونة الإقليمية للإعاقة باشتوكة أيت باها.

إرسال التعليق

مقالات مختارة لأجلك